السجال بين الشاعرين الكبيرين جرير والفرزدق معروف من خلال تلك الثروة الشعرية الضخمة التي تركاها في المدح والهجاء والفخر ويذكر أن أبا جندل عبيد بن حصين وهو من سادة بني نمير كان يساند الفرزدق على جرير ، ولقاه جرير مرة وهو راكب على بغلته فقال له:
أنت شيخ مضر و شاعرهم ، و قولك مسموع فيهم ، فمهلاً أبا جندل مهلا !
- وأنت ترفع الفرزدق و قومه حتى لو تقدر أن تجعلهم في السماء لفعلت ، و تقع في بني يربوع( قوم جرير) حتى تصير إلي في رحلي .
وبينما هما واقفان ، إذ أقبل جندل ابن عبيد راكباً بغلته ، فسأل عن محدث أبيه فلما علمه رفع عصاً كانت في يده و ضرب عجز بغلة أبيه قائلا :
- لا أراك يا أبتاه واقفاً على كلب من بني كليب كأنك تخشى منه شراً أو ترجو منه خيراً !
فاندفعت البغلة مسرعة و قد رمحت جريراً فسقطت قلنسوته سقطة مشئومة ، و تبعها هو إلى الأرض فقال في نفسه و هو واقف ينظفها و ينظر إلى الفتى و أبيه و قد أوشكا أن يتواريا في السواد :
- ليعلمن شأنه و شأن أبيه و قومه بعد حين ....
ثم ذهب جرير إلى بيته وأعتزل في وخرج بعدها بهذه الأبيات :
أعـد الله للشعـراء مـنـي صواعق يخضعون لها الرقابا
أنا البازي المطل على نميـر أتيح من السماء لها انصبابا
فلا صلى الإله علـى نميـر ولا سقيت قبورهم السحابـا
ولو وزنت حلوم بني نميـر على الميزان ما وزنت ذبابا
فغض الطرف إنك من نميـر فلا كعبا بلغـت ، ولا كلابـا
إذا غضيت عليك بنو تميـم حسبت الناس كلهم غضابـا
فنادى عبيد في قومه - ركابكم ركابكم ، فليس لكم هاهنا مقام ، فضحكم والله جرير
فلم يسمع منهم بعد ذلك إلا ضوضاء الرحيل ، وهم الذين كانوا يتفاخرون ويتباهون على الناس ، وقد قالوا لأبي جندل
: هذا شؤمك و شؤم ابنك علينا
فقال : كلا يا قوم لست شؤماً عليكم و ليس ابني كذلك ، و إنما جرير شؤم على الناس أجمعين .
و قال بعضهم لأبي جندل : ما الذي دعاك إلى التعرض له و للفرزدق ؟
ألا تعلم أن هؤلاء الشعراء الثلاثة – جريراً و الفرزدق و الأخطل – في حرب عوان ، و أنه لم يبق أحد من شعراء عصرهم إلا تعرض لهم فافتضح كما افتضحنا ، و سقط بين أرجلهم و بقوا يتصاولون